-A +A
عزيزة المانع
نظام التقاعد في صورته الحالية يشتكي منه كثيرون، بعضهم يرى فيه إجحافا بحق الأولاد القصر حين يحرمهم من الانتفاع براتب أمهم المتوفاة بحجة أنها غير مسؤولة عن إعالتهم. وبعضهم يرى فيه ظلما للمتقاعدين من ذوي الدخل المحدود الذين تقل مرتباتهم التقاعدية عن ثلاثة آلاف ريال، وبعضهم الآخر يرى فيه جمود راتب المتقاعد، حيث يبقى راتبه على قيمته الأولى التي صرف بها في أول يوم لاستحقاقه، بلا أي علاوة، رغم أن العلاوات في أسعار السلع لا تتوقف عن الإضافة عاما تلو العام، فتنهش علاوات السلع راتب التقاعد قضمة قضمة.
مناقشة تلك القضايا المتعلقة بنظام التقاعد كانت من المواضيع المدرجة ضمن أعمال مجلس الشورى خلال الأيام الماضية، لكن ذلك لم يشغل الإعلام كما شغله ما دار من نقاش حول المادة المعدلة في النظام التي تنص على تخفيض سن تقاعد المرأة من الستين إلى الخامسة والخمسين!!

وهذه المادة قد تفرح بها بعض النساء غير المهنيات ممن يمارسن أعمالا مكتبية روتينية أو يعملن في التدريس في المراحل الأولية ويتقن شوقا إلى يوم التقاعد الذي يحررهن من التزامات العمل الثقيلة. وهي أيضا قد تفرح بها الشابات من الخريجات الحديثات العاطلات عن العمل، فالتلويح بتقاعد المرأة المبكر يعني شغر وظائف جديدة يمكن لهن شغلها!!
لكن من حيث المصلحة العامة، هي لا تبدو مرضية، إلا إن يكون التقاعد المبكر المذكور اختياريا، بمعنى أن يتاح للمرأة الراغبة في التقاعد مبكرا شراء ما تبقى لها من سنوات الخدمة، أما أن تكون المادة ملزمة للمرأة بالتقاعد عند سن الخامسة والخمسين، فلا أظن ذلك يخدم المصلحة العامة، فتقصير مدة عمل النساء، وبالذات المهنيات منهن كالأكاديميات والعاملات في المجال الصحي مثل الطبيبات والفنيات والممرضات وأخصائيات العلاج الطبيعي والصيدلانيات وأمثالهن، يحرم المجتمع من الانتفاع بعلمهن وخبرتهن، فهن غالبا يقضين سنوات طويلة في الدراسة والتدريب والإعداد، ولا يبدأن ممارسة العمل فعليا إلا في سن متأخرة نوعا ما، فيكون في اختصار مدة عملهن إلى سنوات قصيرة هدر للأموال التي أنفقت على إعدادهن وتدريبهن، إضافة إلى ذلك، فإنه لا يمكن عد الشابات الحديثات التخرج الخاليات من الخبرة والمران بديلا مناسبا لهن.
مثل هذه المقترحات لا نراها تظهر عند معالجة مشكلات عمل الرجل، ربما لأن ما يملي هذه المقترحات هي النظرة التقليدية المحضة التي ما زالت تنظر إلى عمل المرأة كشيء (كمالي)، وتنظر إلى عمل الرجل كحاجة ضرورية، فعمل الرجل يرتبط بكسب العيش، والرجل مكلف بإعالة الأسرة؛ لذا يعد عمله مهما.
هذه النظرة التقليدية تجاه عمل الرجل والمرأة، يغيب عنها أن العمل ليس مورد رزق فحسب، وإنما هو أساس بناء الأوطان وتعميرها، وأن تنمية المجتمع الشاملة تحتاج جهد جميع الأيدي المنتجة، والعقول المبدعة، بصرف النظر عن جنس صاحبها.